قالت الكاتبة جوين دانييل إن العالم شهد خلال العامين الأخيرين تصاعدًا غير مسبوقًا في الجرائم الإسرائيلية، حتى بات كل اعتداء جديد يطغى على سابقه، مما يصرف الانتباه عن المشروع الصهيوني المستمر: تطهير فلسطين عرقيًا لصالح دولة يهودية إثنية، وإخماد أي دعم إقليمي للقضية الفلسطينية، سواء بالترهيب أو المصالح المشتركة مع إسرائيل والولايات المتحدة.

أشار موقع ميدل إيست آي إلى أن الهجوم الإسرائيلي الأخير على إيران كاد يمحو من الذاكرة التغطية الإعلامية حول الإبادة الجماعية المتواصلة في غزة، في حين غطّى ذلك أيضًا على الهجمات الاستيطانية وجرائم التطهير العرقي في الضفة الغربية. يواجه الفلسطينيون هجومًا متعدّد المستويات يستهدف حياتهم وأراضيهم، في ظل غياب الاهتمام العالمي بالأحداث غير القاتلة رغم فظاعتها.

لفهم دوافع الإبادة في غزة، لا بد من الربط بينها وبين المسيرات الكراهية المنتظمة في القدس، وما تحمله من عنف لغوي يجسّد تحريضًا عنصريًا متراكمًا.

تجاهل العالم لعقود خطابات قادة إسرائيل العنصرية، رغم إدراك الفلسطينيين لخطورتها منذ زمن بعيد. يتجلّى ذلك في "مسيرات الأعلام" السنوية خلال يوم القدس، حيث تتكرّر دعوات الإقصاء والإبادة، ما يعكس ثقافة متجذّرة في عنف الدولة والمجتمع الإسرائيليين، وليس فقط سلوك حكومة نتنياهو المتطرفة.

أبرزت الباحثة الفلسطينية نادرة شلهوب كيفوركيان في دراساتها (2017، 2019) كيف تحوّلت شوارع القدس إلى مسرح لعنف عنصري ممنهج. وثّقت استخدام الجدران التاريخية للبلدة القديمة لعرض رموز دينية يهودية، كوسيلة لإقصاء الفلسطينيين بصريًا ورمزيًا، تمهيدًا لإقصائهم ماديًا. هذه "الكَرنفالية العنيفة"، حسب وصفها، تستهدف الحواس وتفرض السردية الاستعمارية على المكان والناس.

ربطت الكاتبة بين شعارات الإبادة التي تردّدها الجماعات اليهودية اليمينية في يوم القدس، مثل "فلتُحرَق قراهم" و"لا أطفال في غزة"، وبين ما يجري في الميدان من تدمير شامل للمدارس والمستشفيات والمنازل. إذ هلّل المتظاهرون قبل عشر سنوات لموت الأطفال في غزة، واليوم يُنفَّذ ذلك على أرض الواقع تحت غطاء رسمي.

هتافات مثل "محمد مات" و"الموت للعرب" لم تعد محصورة في أطراف المجتمع، بل تُردَّد جهارًا بدعم وزراء بارزين مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش، اللذين تباهيا مؤخرًا بتدمير غزة بالكامل. ورُفعت لافتات في مسيرات 2025 كُتب عليها: "القدس 1967، غزة 2025"، في إشارة صريحة إلى نية ضم القطاع عسكريًا على غرار ما حدث للقدس الشرقية.

رغم وجود قوانين إسرائيلية تجرّم خطاب الكراهية، إلا أن تطبيقها يستهدف الفلسطينيين دون غيرهم. في المقابل، تغض السلطات الطرف عن دعوات الإبادة التي تُطلقها هذه الحشود المتطرفة سنويًا، بل وتوفر لها الحماية، في حين يُطلب من الفلسطينيين البقاء في منازلهم تفاديًا للاعتداءات.

أوضحت الكاتبة أن هذه الطقوس السنوية من العنف اللفظي والتحريض ليست ظواهر هامشية، بل تعبّر عن بنية عنصرية متجذّرة في مؤسسات الدولة والمجتمع، وتهيئ الوعي العام لتقبّل الإبادة كفعل مشروع. كما شبّه المشهد بالحالة النفسية التي تنعدم فيها الضوابط الخارجية، مما يدفع الجناة إلى الإمعان في العنف والتجرد من أي وازع أخلاقي.

تسود هذه البيئة السياسية والاجتماعية دون رادع دولي، بل بدعم غير مشروط من حلفاء إسرائيل. وأشارت الكاتبة إلى أن الحصانة التي تتمتع بها إسرائيل لا تمنع الجرائم فقط، بل تهيّئ لها الأرضية للتفاقم. وقد تحوّل العنف الموجّه في القدس إلى نموذج مصغّر لما يحدث في غزة، حيث يُجبر السكان على الوقوف في طوابير المساعدات تحت القصف، ويُقتلون أثناء بحثهم عن الطعام.

ختم المقال بالتنبيه إلى أن السلطة المطلقة، والدعم العسكري غير المحدود، والتغطية الدبلوماسية التي تمنحها الولايات المتحدة والدول الغربية لإسرائيل، هي التي تسمح لها بتحويل أحلام الإبادة إلى واقع يومي. ووسط تصاعد العدوان على لبنان وإيران وسوريا، يبدو أن نتنياهو يسعى لفرض رمزية "الأزرق والأبيض" ليس فقط على القدس، بل على كامل المنطقة.
 

https://www.middleeasteye.net/opinion/israel-racist-mobs-paved-way-gaza-genocide-how